فيلم "أناني": قصة حب كونية
Backstories

فيلم "أناني": قصة حب كونية

    NHK General Bureau for America
    Senior Producer
    NHK World's New York Correspondent
    أقيم مهرجان نيويورك الثاني والعشرون للأفلام الآسيوية في أواخر يوليو/تموز، وعرض فيه أكثر من 70 فيلما من جميع أنحاء آسيا والعالم بما في ذلك اليابان. استمر المهرجان لأسبوعين وحضر عروض الأفلام والفعاليات المتصلة في مركز لينكولن بمدينة نيويورك بعض أشهر صناع الأفلام الآسيويين. وقال المنظمون إن الحضور هذا العام كان الأعلى على الإطلاق.

    ومن بين الأفلام التي جذبت الأنظار، فيلم "أناني" وهو قصة مؤثرة عن الحب والتضحية ورحلة حياة رجل مثلي في مجتمع الميم الياباني.

    سوزوكي ريوهيي يفوز بـ"جائزة نجم آسيا الصاعد"

    في هذا العام، فاز سوزوكي ريوهيي وهو ممثل ياباني محبوب بجائزة "نجم آسيا الصاعد على الشاشة الدولية" لمهرجان نيويورك للأفلام الآسيوية، بأدائه المفعم بالمشاعر الرقيقة لدور رجل مثلي هو بطل الفيلم "أناني" وكذلك إنجازاته الفنية حتى الآن.

    صرح سوزوكي للصحفيين لدى وصوله إلى السجادة الحمراء "إنه فيلم ترفيهي، ولكن آمل أن يكون خطوة تساهم في مجتمع المثليين. آمل أن يكون له مردود في المجتمع الياباني وكذلك المجتمع الأمريكي".

    الممثل سوزوكي ريوهيي

    سار سوزوكي على السجادة الحمراء مع مخرج الفيلم ماتسوناغا دايشي. إنهما صديقان قديمان وكانا متحمسين للغاية أن يكونا في نيويورك للاحتفال بالفيلم الذي أنتجاه معا.

    قال سوزوكي وعلى وجهه ابتسامته البهيجة التي تعد علامة مميزة له "أنا سعيد جدا أن أكون هنا مع المخرج. جائزة نجم صاعد...كزهرة نجمة الصباح ربما؟ الجائزة اسمها نجم صاعد، لذا أجتهد لكي أصبح نجما حقيقيا يمكنه البقاء حيث صعد".

    على اليمين: الممثل سوزوكي ريوهيي، على اليسار: المخرج ماتسوناغا دايشي
    شاهد الفيديو (2:48): سوزوكي ريوهيي يتحدث في حفل تسليم الجوائز في يوليو/تموز 2023

    فريق إنتاج نادر من حيث شموله لأفراد من مجتمع الميم

    اقتبس فيلم "أناني" عن رواية بنفس العنوان بقلم تاكاياما ماكوتو وهو كاتب مثلي استوحى الرواية من سيرته الذاتية. إنها قصة حب بين رجلين مثليين تتطور إلى رحلة البحث عن معنى الحياة واكتشاف ماهية الحب كسمة إنسانية كونية. وكان التحدي يتمثل في إنتاج فيلم عن عاشقَين مثليين بدون ممثلين مثليين.

    وقال ماتسوناغا أمام الجمهور في جلسة أسئلة وأجوبة عقدت بعد عرض الفيلم "عندما سألوني ما إذا كنت أود أن أنتج فيلما مقتبسا عن هذه القصة، وجدت أنها قصة حب بين شخصين مثليين وفي نفس الوقت قصة حب كونية" بمعنى قصة حب إنسانية لا تختلف عن قصص الحب الأخرى بين رجل وامرأة مثلا.

    كشف ماتسوناغا أن هذا هو أول فيلم ياباني أنتج على يد فريق يضم شخصا مشرفا على الشمول بحيث لا يتضمن الفيلم عناصر تسيء إلى مجتمع الميم ولا يصفهم بطريقة لا تتسق مع واقعهم، ومشرفا على مشاهد الحب. وقد عملا عن كثب مع ماتسوناغا ومع الممثلين.

    واستطرد ماتسوناغا قائلا "عندما كنت أفكر في كيفية تحويل هذه القصة إلى فيلم مع ممثلين غير مثليين في البطولة، وأنا أيضا لست مثليا، أردت أن أواجه الموضوع والمادة التي بين أيدينا بصدق وإخلاص. أردت أن أصنع الفيلم بفريق يضم مشرفين متخصصين، من مرحلة الأبحاث إلى كتابة السيناريو وتصميم المشاهد".

    سوزوكي ريوهيي وماتسوناغا دايشي بعد عرض فيلم "أناني" في مهرجان نيويورك للأفلام الآسيوية

    قال سوزوكي إنه في البداية تردد في قبول الدور لأنه ليس مثليا ولم يكن متأكدا مما إذا كان بإمكانه حقا أن يمثل شخصا مثليا كما ينبغي.

    وشرح سوزوكي الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة "ولكن عندها بحثت على شبكة الإنترنت لأعرف ما إذا كان هناك ممثل في اليابان أعلن أنه مثلي، ووجدت أنه لا يوجد ولا ممثل واحد في اليابان كشف أنه مثلي، وهو أمر محزن، لأن هذا يعني أن هناك مخاطر هائلة بالنسبة للممثلين في اليابان إذا ما كشفوا عن ميولهم الجنسية الحقيقية. لذا قررت أن نبدأ المسيرة من هنا".

    وواصل سوزوكي حديثه قائلا "أهم شيء هو إنتاج المزيد من الأفلام التي تدور حول مجتمع الميم مثل "أناني" كي يمكن للمجتمع، مجتمعنا، وقطاع السينما التحرك إلى الأمام. وبالطبع، الشخصيتان الرئيسيتان يؤديهما ممثلان غير مثليين، أنا و(مييازاوا) هيو. لذا فإن الأداء ليس متقنا مائة بالمائة".

    "ولكننا أردنا جميعا، في حالة تمثيل هذه الأدوار فعلا، أن نكون ملتزمين مائة بالمائة، ونحترم مجتمع الميم مائة بالمائة، ونكون مسئولين مائة بالمائة عن الشخصيات التي نؤديها. هذا هو ما حاولنا أن نفعله".

    وقال سوزوكي "فعلنا كل ما كان في وسعنا في تلك اللحظة في قطاع الأفلام الياباني. ونحن فخورون بإنتاج هذا الفيلم لأنني ما زلت أؤمن بأن هذه خطوة هائلة لقطاع الأفلام الياباني إلى الأمام، حتى وإن كانت خطوة واحدة". وقد قوبلت جهوده بتصفيق حار من جمهور السينما الذين شاهدوا الفيلم في نيويورك.

    سوزوكي ريوهيي ومييازاوا هيو في أحد مشاهد فيلم "أناني"

    في موقع التصوير

    إلى جانب الشخصيتين الرئيسيتين، هناك شخصيات جانبية أداها أشخاص من مجتمع الميم ليسوا ممثلين محترفين. وفي الواقع، كان أحدهم صديقا للكاتب تاكاياما ماكوتو، مؤلف القصة الأصلية. وكثيرا ما استشارهم سوزوكي بشأن دوره وحركاته.

    يقول ماتسوناغا إن هؤلاء الممثلين غير المحترفين كانوا عنصرا جوهريا في صناعة الفيلم. كما شعر أنه كان هناك تناغم تلقائي في الفريق الذي تم الحرص على أنه يضم أناسا من مجتمع الميم. ميياتا رين، الذي قام بدور المشرف على الشمول، انضم إلى فريق إنتاج الفيلم في الأصل لتولي تصفيف الشعر والمكياج. أما سييغو، المشرف على مشاهد الحب بين شخصين مثليين، فقد انضم إلى الفريق بوساطة ميياتا، وساعد في كل خطوات الإنتاج.

    وتذكّر سوزوكي التصوير قائلا "كان رائعا حقا أن يكونوا متواجدين في موقع التصوير لأنني كنت فعلا أذهب إلى رين ميياتا، المشرف، بعد الانتهاء من تصوير كل مشهد للتأكد مما إذا كان أدائي واقعيا أم لا".

    "حركات يدي، طريقتي في الكلام، طريقتي في المشي، الطريقة التي أنظر بها إلى عشيقي...سألته عن كل شيء. بالطبع، قبل بدء التصوير، قمت بأبحاث مستفيضة وتحدثت مع العديد من الناس، ولكنني شعرت بأن كل هذا لم يكن كافيا".

    وقال سوزوكي إن وجود فريق يراعي الشمول والتنوع كان مصدر طمأنينة بالنسبة له. "أيضا مع سييغو، مشرف مشاهد الحب، كنا نتحقق من الشيء نفسه. ففي مشاهد الحب دققنا في حركاتنا. لم نرد أن تكون محاكاة لما يتصوره الأشخاص غير المثليين عن كيف تكون ممارسة الجنس بين أشخاص مثليين. وبالتالي، نعم، كنت محظوظا جدا. وكان هذا سببا آخر لقبولي هذا الدور، لأنهم قالوا لي إن هذين المشرفين سيكونان في موقع التصوير".

    مصدر الإلهام وراء العنوان "أناني"

    شرح ماتسوناغا عن أفكاره وراء تسمية الفيلم "أناني" وهي كلمة عادة ما تحمل معاني سلبية.

    "عنوان الفيلم هو في الحقيقة نفس عنوان الرواية الأصلية. هناك أوقات في المجتمع عندما نكون مطالبين بأن نكون اجتماعيين مع الآخرين وأن نفعل أشياء معنية من أجل شخص ما. بالطبع هذا مهم. ولكن قبل كل هذا، أعتقد أنه من المقبول أن تعتني بنفسك أولا ثم تعتني بالشخص الذي بجانبك".

    "ولهذا أعتقد أنه ليس سيئا أن تحب شخصا ما بأنانية. وإلا سنفقد أنفسنا ونحن نعتني بالآخرين. نحتاج أيضا أن نحب أنفسنا ونعتني بأنفسنا".

    "وبالتالي، سبب إظهار العنوان "أناني" على الشاشة في مستهل الفيلم ثم قبل نهايته مرة أخرى هو أملي في أن يشعر الجمهور الذي يشاهد شخصية كوسوكيه أن تصرفاته ليست سيئة، ليست فقط نابعة من الأنانية، وأن الأنانية ليست بالضرورة سيئة. واخترت العنوان لكي يعيد الجمهور التفكير في معنى هذه الكلمة، وأريد من كل واحد أن يعتني بنفسه".

    شاهد إعلان الفيلم "أناني" 0:47

    الإخراج والتمثيل في فيلم عن مجتمع الميم

    لا ماتسوناغا ولا سوزوكي من المثليين. إذن، كيف قاما بإخراج فيلم عن مجتمع الميم والتمثيل فيه؟ يقول ماتسوناغا إنه كان يشعر ببعض الخوف حيال إخراج فيلم عن مجتمع الميم وهو ليست لديه خبرة مباشرة معهم.

    سوزوكي ريوهيي وأغاوا ساواكو ومييازاوا هيو في فيلم "أناني"

    قال ماتسوناغا "أشعر دائما أن نقص الثقة أمر جيد. أعتقد أنه من المهم أن نخاف. وتمكنت من إنجاز هذا المشروع لأنني أعرف كم هو مخيف بالنسبة لي أن أحكي عن هذا الموضوع".

    "لم أكن لأتمكن من القيام بهذا العمل بدون التعاون مع المشرف على الشمول والمشرف على مشاهد الحب، وجميع العاملين الموجودين بجانبي والممثلين سوزوكي ريوهيي ومييازاوا هيو. لو كنت واثقا من نفسي فلربما صنعت شيئا مختلفا. لذا أعتقد أن الشعور بالخوف وعدم الثقة أمر جيد دائما عندما تبدأ شيئا".

    من خلال أداء دور كوسوكيه، يقول سوزوكي إنه صدم باكتشاف العبء الذي يقع على الشخص المثلي في حياته اليومية.

    وأوضح سوزوكي قائلا "في أبحاثي، أجريت مقابلات مع عدد كبير من الناس وخاصة المثليين. وقال بعضهم إنهم عندما يعودون إلى بلداتهم الأصلية، عليهم أن يتنكروا أمام أهاليهم وهو أمر مهم جدا. وقالوا إنهم لا يحبون العودة إلى بلداتهم لأن ذلك غير مريح على الإطلاق".

    وواصل سوزوكي كلامه قائلا "وفي نفس الوقت، قال أحدهم وهو راقص، إنه يجبَر على التصرف وفقا للصورة النمطية للشخص المثلي أمام مطرب يطالب الفنانين المثليين بالتصرف هكذا، والمبالغة في حركاتهم وطريقة كلامهم لمطابقة هذه الصورة النمطية".

    "صدمت حقا بسماع ذلك لأنني لم تكن لدي أي فكرة قبل بدء المشروع، قبل التحضير لهذا الدور. لذا أردت أن أحتفظ بهذا الإحساس. أعتقد أنه كان مهما جدا أن أمثل بشكل مختلف في كل مشهد حسب الشخص الذي يدور معه الحوار".

    إسهام الفيلم في مجتمع الميم

    قال سوزوكي إنه كان حريصا على، وشعر بالمسئولية تجاه، مجتمع الميم في المقابلات والفعاليات التي أجريت للترويج للفيلم. وكان مدركا أن ما يقوله قد يكون له تأثير على الجمهور وكذلك مجتمع الميم والمجتمع ككل.

    وقال سوزوكي "50 % من عملي هو التمثيل في هذا الفيلم، والـ50 % الأخرى هي الحديث عنه في مقابلات. إلى هذه الدرجة أشعر بأهمية حديثي. وكان طبيعيا جدا بالنسبة لي أن أدعم مجتمع الميم".

    "أعتقد أن الجميع، وأعني الجميع، سيصبحون حلفاء بمجرد أن يعلموا حقيقة أن يكون المرء من الأقلية الجنسية. إنه أمر طبيعي جدا بالنسبة لي. وصنع هذا الفيلم هو شيء يمكنني عمله من أجل دعم مجتمع الميم".

    كما يشعر سوزوكي بأن هناك المزيد مما يمكن عمله من أجل مجتمع الميم. "أن أقول رأيي في أمور مثل زواج المثليين. فزواج المثليين ليس متاحا بعد في ظل القانون الياباني. وليس من الشائع في اليابان أن يعبر الممثلون عن آرائهم في هذه الأمور. يمكن أن نبدأ من هذه النقطة وأعتقد أن هناك الكثير مما يمكن أن نفعله".

    تأثير الفيلم

    في نهاية جلسة الأسئلة والأجوبة، حكى ماتسوناغا للجمهور واقعة تجسد إحدى أمنياته من خلال صنع الفيلم.

    "أحد الممثلين في الفيلم، وقد أدى دور أحد أقرب أصدقاء كوسوكيه، لم يكن قد تمكن من إخبار والدته بأنه مثلي. ولكنه انتهز الفرصة وطلب منها أن تشاهد الفيلم ثم أخبرها. وفي أول عرض للفيلم، جاءني وقال "سأخبر والدتي أنني مثلي". وكان ماتسوناغا يحاول كبت دموعه وهو يحكي هذه القصة.

    وواصل ماتسوناغا قائلا "من الأفضل أن يشاهد الفيلم عشرة بدلا من واحد. وأفضل أن يشاهده ألف بدلا من عشرة. وأتمنى أن يشاهده الكثيرون. لست طبيبا ولا يمكنني إنقاذ حياة شخص بشكل مباشر. ولكن، كنت أتمنى أن يغير فيلمي حياة شخص ما إلى الأفضل. وهذا الشخص الذي أحكي عنه هو شخص قريب جدا مني، وقد أخبرني أن الفيلم دفعه إلى تحسين علاقته مع والدته. وهو أمر أسعدني كثيرا. بالطبع تلقيت ردود فعل كثيرة عن الفيلم ولكن بالنسبة لي، كلمات ذلك الممثل كانت لها أهمية خاصة".

    المخرج ماتسوناغا دايشي

    الكلمات الأخيرة

    في نهاية اللقاء، شكر ماتسوناغا الجمهور وتحدث عما يدفعه إلى صناعة الأفلام.

    "فقط أريد أن أقول إنني أعتقد أن الأفلام لا تكتمل إلا عندما تصل إلى الجمهور. كنت أعشق الأفلام ولكن الأفلام الأمريكية هي التي دفعتني حقا للرغبة في صناعة الأفلام. لذا، أن يعرض فيلمي هذا هو فيلم مهم جدا لي وقد صنعته مع أصدقاء قريبين لي، أن يعرض في الولايات المتحدة، وفي دور السينما في أمريكا الشمالية، هو أمر يغمرني بالسعادة".

    شاهد الفيديو (1:36): سوزوكي يتحدث في جلسة أسئلة وأجوبة عقدت بعد عرض فيلم "أناني" في مهرجان نيويورك للأفلام الآسيوية

    طلب سوزوي من جمهور نيويورك عن يتحدثوا عن انطباعهم للفيلم.

    "أشياء جيدة، أشياء سيئة...إن شعرتم بشيء فأرجوكم أخبروا أصدقاءكم أو انشروه على شبكة التواصل الاجتماعي أو أي شيء. ولو عندكم انتقادات حيال الفيلم فلا بأس على الإطلاق. سيكون مصدر قوة جديدة لنا وللسينما اليابانية لكي نصنع فيلما أفضل في المرة القادمة. شكرا لكم".

    سوزوكي ريوهيي ومييازاوا هيو في فيلم "أناني"

    ملاحظات المراسل

    بدا جمهور نيويورك متأثرا بعمق بهذا الفيلم ورسالته عن الحب كسمة إنسانية كونية، وحقيقة أن صناع فيلم "أناني" تشاركوا أفكارهم حول مجتمع الميم في اليابان على ساحة دولية. بدا أن كلا من ماتسوناغا وسوزوكي تشجع بهذه التجربة من أجل المضي قدما في إرساء التنوع والشمول في اليابان.

    رغم أن التغير بطيء في موقف المجتمع الياباني من مجتمع الميم، فإن حقيقة أن هؤلاء الفنانين وصناع الأفلام الشباب لديهم الشجاعة الكافية لتحريك الحواجز إلى الأمام، ربما هي مؤشر لتغير وشيك في المستقبل.

    وقد عرض الفيلم في كوريا الجنوبية وتايوان، ومن المقرر أن يبدأ عرضه في دور السينما الأمريكية في الخريف، كما أن عرضه في دور السينما اليابانية ما زال مستمرا بفضل نجاحه الكبير.