"من الممكن أن تعيش حياة بطولية، حتى لو كانت حياة متواضعة"
Backstories

"من الممكن أن تعيش حياة بطولية، حتى لو كانت حياة متواضعة"

    NHK Sciences and Culture Division
    Correspondent
    NHK World
    Correspondent
    كازوؤو إيشيغورو هو أحد الروائيين البريطانيين المعاصرين الحائزين على أكبر عدد من الجوائز الأدبية. فقد فاز بكل من جائزة نوبل وجائزة بوكر من بين جوائز أخرى لا تحصى، كما منح لقب الفروسية الفخري من الملكة تكريما لخدماته الجليلة للأدب في عام 2018. ولكن حتى إيشيغورو لم يكن قد حصل على جائزة أوسكار، عندما رُشح في وقت سابق من هذا العام لجائزة أوسكار لأفضل سيناريو مقتبس، لعمله في فيلم Living وهو إعادة إنتاج لفيلم كوروساوا أكيرا الخالد "إيكيرو" الذي أنتج في عام 1952.

    "مهنتي هي كتابة الروايات، ولكنني من عشاق السينما". ويواصل إيشيغورو حديثه قائلا "أشعر وكأنني سائح في عالم الأفلام، ولكن الترشيح أشعرني بأنني مرحَّب بي في ذلك العالم".

    لماذا اختار "إيكيرو" كأحدث مشروع سينمائي له؟ وما هي الاختلافات بين الكتابة للشاشة والكتابة للنشر؟ ناقش إيشيغورو هذه الأسئلة والمزيد في مقابلة شملت طيفا واسعا من الموضوعات أجرتها معه هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK.

    (وقد تم تحرير تعليقاته بغرض الإيجاز والتوضيح.)

    طفولة شكّلتها السينما

    ولد إيشيغورو في محافظة ناغاساكي عام 1954 لوالدين يابانيين. كان والده عالم بحار، وفي عام 1960، بعد المشاركة في مسح لحقول نفط في بحر الشمال، قرر الانتقال مع أسرته إلى المملكة المتحدة.

    تربى إيشيغورو في المملكة المتحدة.

    في طفولته، شاهد إيشيغورو أفلاما يابانية للحفاظ على روابطه بأصوله. ويقول إنه كان في حوالي الحادية عشرة من العمر عندما شاهد "إيكيرو" لأول مرة.

    ويقول "كانت القناة التعليمية في البي بي سي تخصص وقتا معينا للأفلام الأجنبية في وقت متأخر من الليل وكانت الفرصة الوحيدة لمشاهدة مثل تلك الأفلام على شاشة البي بي سي. وهنا شاهدت "إيكيرو" وأيضا "الساموراي السبعة" و"قصة طوكيو". كانت لهذه الأفلام أهمية خاصة بالنسبة لي لأنها كانت يابانية وجسرا يربطني بعالم والديّ".

    تأثير فيلم "إيكيرو"

    هذا الفيلم للمخرج كوروساوا أكيرا يحكي قصة الموظف الحكومي واتانابيه الذي يصاب بسرطان المعدة. عندما يواجَه باحتمال موت وشيك، يكتشف الفراغ الذي كانت تتسم به حياته حتى تلك اللحظة: جالسا على طاولة العمل محاطا بالمستندات يوما بعد يوم. يفكر مليا كيف يمكنه قضاء ما تبقى له من الوقت ويقرر تكريسه للسكان الذين كان يفترض أنه مكلف بخدمتهم. هذا الإحساس بالهدف يحفزه للعمل بلا كلل من أجل إنشاء ملعب للأطفال في الحي.

    مشهد أيقوني من فيلم "إيكيرو" حيث يغني واتانابيه في الحديقة التي ساعد في إنشائها.
    4KUltra HD Blu-ray ©1952TOHO CO.,LTD.

    يقول إيشيغورو إن هذا التحول المفاجئ الذي تمر به شخصية واتانابيه كان له تأثير مباشر في تشكيل أسلوب كتابته.

    ويقول إن "إيكيرو" كان له تأثير عميق عليه عندما كان صبيا. "ألهمني الفيلم فكرة الأشخاص العالقين في حياة متواضعة ويبذلون محاولات مستميتة لإعطاء معنى لتلك الحياة، وهي فكرة تناولتها في رواياتي من البداية".

    الاقتباس عن فيلم مأثور

    في نسخة إيشيغورو، تدور القصة في لندن بعيد الحرب العالمية الثانية. بطل الفيلم اسمه ويليامز بدلا من واتانابيه، ولكنه يبقى موظفا حكوميا. ويؤديه الممثل بيل ناي.

    رشح بيل ناي لجائزة أوسكار لأفضل ممثل لأدائه دور ويليامز.
    ©Number 9 Films Living Limited

    أثناء كتابته السيناريو، فكّر إيشيغورو في كيفية تجسيد أفكار كوروساوا بطريقة تجد صدى في قلوب المشاهدين المعاصرين. وقرر أن إضافة شخصية جديدة ستساعد في ذلك. وهكذا ولد بيتر، الموظف الحكومي الشاب الذي يشهد تحول ويليامز عن قرب. بإضافة شخصية بيتر، يلمح إيشيغورو إلى بزوغ عصر جديد، فيه يستمد جيل الشباب جوانب أكثر إيجابية من الماضي وهم يمضون نحو المستقبل.

    "يتسم فيلم كوروساوا بجو قاتم ومتشائم. وفكرت أنه يمكن إنتاج فيلم يسوده جو أكثر تفاؤلا لأننا نعرف ما حدث في اليابان بعد الحرب وكذلك ما حدث في بريطانيا. وفي كلتا الحالتين، كانت قصة نجاح كبير. ذلك الجيل بنى مجتمعات جديدة رائعة، لذا أردت إدخال جيل شاب في القصة، وهو جيل يستفيد فعلا من الإرث الذي تركه أشخاص مثل ويليامز، أو واتانابيه في الفيلم الأصلي".

    ألكس شارب يؤدي دور بيتر، الشخصية المستحدثة التي لم تكن موجودة في الفيلم الأصلي "إيكيرو".
    ©Number 9 Films Living Limited

    ولكن إيشيغورو لم يرد أن يفعل أي شيء قد يؤثر على رسالة فيلم "إيكيرو" بشكل عام. في الفيلم الأصلي، عزيمة واتانابيه في نهايات حياته تحفز زملاءه. ويتعهدون في جنازته بأن يعيشوا ما تبقى من حياتهم بطرق تكرم ذكراه. ولكن عندما يعودون إلى المكتب، سرعان ما يعودون إلى أساليبهم القديمة، ويعيشون بنفس الطريقة التي كان يعيش بها واتانابيه قبل إصابته بالمرض. ويقول إيشيغورو إن هذا يكشف النقاب عن شيء مهم بشأن نظرة كوروساوا للعالم.

    "فهو يقول أساسا إنه من الممكن أن يعيش المرء حياة بطولية ولكن يجب ألا يتوقع أي تقدير أو استحسان. ويحذرنا أنه إذا فعلنا الأشياء بغرض الحصول على استحسان العالم فسنصاب بخيبة أمل".

    ويضيف إيشيغورو قائلا "يجب أن نتعلم أن نفعل الأشياء من أجل إرضاء أنفسنا، وتحقيق ذاتنا. بكلمات أخرى، ما يكمن وراء النجاح أو الفشل هو الوحدة الشديدة".

    الفرق بين الروايات وسيناريوهات الأفلام

    يصر إيشيغورو على أنه لا يزال حديث العهد ككاتب سيناريو، ولكنه لاحظ فرقا كبيرا بين كتابة السيناريو وخبرته في كتابة الروايات.

    "عندما أكتب رواية، الشيء كله عملي أنا وحدي تقريبا. أنا المخرج والممثلون ومصمم المشاهد والمصور. أنا كل شيء إلى جانب كوني كاتب السيناريو. ولكن عندما أكتب سيناريو فيلم، أكتب من أجل فريق. يجب أن يكون شيئا يطلق العنان لكامل مواهب الأفراد الآخرين المنخرطين. لا يمكن أن أكتب شيئا منغلقا في ذاته".

    رشح إيشيغورو لجائزة أوسكار لأفضل سيناريو مقتبس لعمله في فيلم Living.

    يؤمن إيشيغورو بأن "إيكيرو" لا يزال قادرا على تحريك مشاعر الناس اليوم كما حرك مشاعره قبل أكثر من خمسين عاما.

    يقول إيشيغورو "عندما تجد نفسك في ذلك الموقف، من السهل جدا أن تستسلم وترضى بأن يكون الجزء الخاص بالعمل في حياتك خاويا وفارغا. ولكن، حاول وابذل جهدا خارقا وستجد طريقة لإعطاء حياتك معنى ولعيش حياتك إلى أقصى حد. وهذا يمكن أن يكون الفرق بين الحياة الفارغة والحياة الرائعة".

    ويضيف قائلا "من الممكن أن تعيش حياة بطولية حتى لو كانت حياة متواضعة. إنها رسالة ملهمة كانت هي الرسالة التي ألهمتني عندما شاهدت الفيلم "إيكيرو" لأول مرة".